فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قوله: {الذي لَهُ} يجوزُ أَنْ يكونَ تابعًا، وأنْ يكونَ مقطوعًا نصبًا أو رفعًا على المدحِ فيهما. و {مَا فِي السماوات} يجوز أن يكونَ فاعلًا به {له} وهو الأحسنُ، وأَنْ يكونَ مبتدأ.
قوله: {في الآخرةِ} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الحمد، وأَنْ يتعلَّقَ بما تعلَّقَ به خبرُه. {وهو الحكيمُ} يجوزُ أَنْ يكونَ معترضًا إذا أَعْرَبْنا {يَعْلَمُ} حالًا مؤكدةً مِنْ ضمير الباري تعالى، ويجوزُ أَنْ يكونَ {يَعْلَمُ} مستأنفًا، وأَنْ يكونَ حالًا من الضمير في {الخبير}.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)}.
قوله: {وَمَا يَنزِلُ} العامَّةُ على {يَنْزِلُ} مفتوحَ الياء، مخففَ الزاي مُسنَدًا إلى ضميرِ ما. وعلي رضي الله عنه والسلمي بضمِّها وتشديد الزاي أي الله تعالى.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)}.
قوله: {بلى} جوابٌ لقولِهم {لا تَأْتينا} وما بعده قسمٌ على ذلك. وقرأ العامَّةُ {لَتَأْتِيَنَّكم} بالتأنيث. وطلق بالياء فقيل: أي: البعثُ. وقيل: هي على معنى الساعة، أي: اليوم. قاله الزمخشري. ورَدَّه الشيخ بأنه ضرورةٌ، كقوله:
ولا أَرْضَ أبْقَلَ إبْقالَها

وليس مثلَه. وقيل: أي الله بمعنى أمْرُه. ويجوز على قياسِ هذا الوجهِ أَنْ يكونَ {عالمُ} فاعلًا ل {يَأْتَيَنَّكم} في قراءةِ مَنْ رفعه.
قوله: {عالم} قرأ الأخَوان {عَلاّم} على صيغة المبالغة وخفضِه نعتًا ل رَبِّي أو بدلًا منه وهو قليلٌ لكونِه مشتقًا. ونافع وابن عامر {عالمُ} بالرفع على هو عالم أو على أنه مبتدأٌ، وخبره {لا يَعْزُب} أو على أنَّ خبرَه مضمرٌ أي هو. ذكره الحوفي. وفيه بُعْد. والباقون {عالم} بالخفض على ما تقدَّم. وإذا جُعِل نعتًا فلابد مِنْ تقدير تعريفِه. وقد تقدَّم أنَّ كلَّ صفةٍ يجوزُ أن تتعرَّفَ بالإِضافةِ إلاَّ الصفةَ المشبهةَ. وتقدَّمتْ قراءتا {يَعْزُب} في سورةِ يونس.
قوله: {ولا أَصْغَرُ} العامَّةُ على رفعِ {أصغر} و {أكبر}. وفيه وجهان، أحدُهما: الابتداء، والخبرُ {إِلاَّ فِي كِتَابٍ}. والثاني: النسقُ على {مثقالُ} وعلى هذا فيكونُ {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} تأكيدًا للنفيِ في {لا يَعْزُبُ} كأنه قال: لكنه في كتاب مُبين.
وقرأ قتادةُ والأعمش، ورُوِيَتْ عن أبي عمرو ونافع أيضًا، بفتح الراءيْن. وفيهما وجهان، أحدهما: أنها لا التبرئةُ بُني اسمُها معها. والخبرُ قولُه: {إِلاَّ فِي كِتَابٍ}. الثاني: النسقُ على {ذَرَّةٍ}. وتقدَّم في يونس أنَّ حمزةَ قرأ بفتح راء {أصغر} و {أكبر} وهنا وافقَ على الرفع. وتقدَّم البحثُ هناك مُشْبَعًا. قال الزمخشري: فإن قلتَ: هَلاَّ جاز عطفُ {ولا أصغرُ} على {مثقال} وعطف {ولا أكبرَ} على {ذَرَّة}. قلت: يَأْبَى ذلك حرفُ الاستثناء إلاَّ إذا جَعَلْتَ الضميرَ في {عنه} للغيبِ، وجَعَلْتَ {الغيب} اسمًا للخَفِيَّات قبل أنْ تُكتبَ في اللَّوْح؛ لأنَّ إثباتَها في اللوحِ نوعٌ من البروزِ عن الحجاب على معنى: أنه لا يَنْفَصِلُ عن الغيب شيءٌ ولا يَزِلُّ عنه إلاَّ مَسْطورًا في اللوح. قال الشيخ: ولا يُحتاجُ إلى هذا التأويلِ إذا جَعَلْنا الكتابَ ليس اللوحَ المحفوظ.
وقرأ زيد بن علي بخفض راءيْ {أصغر} و {أكبر} وهي مُشْكلةٌ جدًا. وخُرِّجَتْ على أنهما في نية الإِضافة؛ إذ الأصلُ: ولا أصغرِه ولا أكبره، وما لا ينصرف إذا أُضيفَ انْجَرَّ في موضعِ الجرِّ، ثم حُذِفَ المضافُ إليه ونُوي معناه فَتُرِك المضَافُ بحالِه، وله نظائرُ كقولهم:
بين ذراعَيْ وجَبْهَةِ الأسَدِ

وقوله:
يا تَيْمَ عَدِيٍّ

على خلافٍ. وقد يُفَرَّقُ: بأن هناك ما يَدُلُّ على المحذوفِ لفظًا بخلاف هنا. وقد رَدَّ بعضُهم هذا التخريجَ لوجود مِنْ؛ لأنَّ أفعلَ متى أُضيف لم يجامِعْ مِنْ. وأُجيب عن ذلك بوجهين، أحدهما: أنَّ مِنْ ليسَتْ متعلقةً ب أَفْعَل؛ بل بمحذوفٍ على سبيل البيانِ لأنه لَمَّا حُذِفَ المضافُ إليه انبهم المضافُ فتبَيَّن ب مِنْ ومجرورِها أي: أعني من ذلك. والثاني: أنَّه مع تقديرِه للمضافِ إليه نُوي طَرْحُه، فلذلك أُتي ب مِنْ. ويدلُّ على ذلك أنه قد وَرَدَ التصريحُ بالإِضافةِ مع وجود مِنْ قال الشاعر:
نحن بغَرْسِ الوَدَي أَعْلَمُنا ** مِنَّا بركضِ الجيادِ في السُّدَفِ

وخُرِّجَ على هذين الوجهين: إمَّا التعلُّقِ بمحذوفٍ، وإمَّا نيةِ اطِّراحِ المضاف إليه. قلت: وهذا كما احتاجوا إلى تأويل الجمع بين أل ومِنْ في أفعلَ كقوله:
ولستُ بالأكثرِ منهم حَصَىً

وهذه توجيهاتُ شذوذٍ، لا يُطْلَبُ فيها أكثرُ مِنْ ذلك فلْيُقْنَعْ بمثله.
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}.
قوله: {لِّيَجْزِيَ} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه متعلِّقٌ ب لا يَعْزُب. وقال أبو البقاء: يتعلَّقُ بمعنى لا يَعْزُب، أي يُحْصي ذلك ليَجزيَ وهو حسنٌ، أو بقوله: {لتَأْتِيَنَّكم} أو بالعاملِ في قوله: {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} أي: إلاَّ استقرَّ ذلك في كتاب مبينٍ ليجْزِيَ. وتقدم في الحج قراءتا {مُعاجزين}.
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)}.
قوله: {أَلِيمٌ} قرأ ابن كثير وحفص هنا، وفي الجاثية، {أليمٌ} بالرفع. والباقون بالخفض. فالرفعُ على أنه نعتٌ ل {عذاب} والخفضُ على أنه نعتٌ ل {رِجْز} إلاَّ أن مكيًَّا ضَعَّفَ قراءةَ الرفعِ واستبعدها قال: لأنَّ الرِّجْزَ هو العذابُ فيصير التقديرُ: عذابٌ أليمٌ مِنْ عذاب، وهذا معنى غيرُ متَمكِّنٍ. قال: والاختيارُ خفضُ {أليم} لأنه أصَحُّ في التقدير والمعنى؛ إذ تقديرُه: لهم عذاب مِنْ عذاب أليم، أي: هذا الصنفُ مِنْ أصنافِ العذابِ لأنَّ العذابَ بعضُه آلمُ مِنْ بعض. قلت: وقد أُجيبَ عَمَّا قاله مكيٌّ: بأنَّ الرِّجْزَ مُطلق العذاب، فكأنه قيل لهم: هذا الصنفُ من العذابِ من جنسِ العذاب. وكأن أبا البقاء لَحَظَ هذا حيث قال: وبالرفعِ صفةً ل {عذاب} والرِّجْزُ مُطْلَقُ العذابِ.
قوله: {والذين سَعَوْا} يجوز فيه وجهان، أظهرهما: أنها مبتدأٌ و {أولئك} وما بعده خبرُه. والثاني: أنه عطفٌ على الذين قبلَه أي: ويَجْزي الذين سَعَوْا، ويكون {أولئك} الذي بعده مستأنفًا، و {أولئك} الذي قبله وما في حَيِّزه معترضًا بين المتعاطفَيْن.
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}.
قوله: {وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم} فيه وجهان، أحدهما: أنه عطفٌ على {ليَجْزِيَ} قال الزمخشري: أي: وليعلمَ الذين أُوتُوا العِلْمَ عند مجيءِ الساعة. قلت: إنما قَيَّده بقولِه: عند مجيءِ السَّاعةِ لأنه عَلَّق {ليجزيَ} بقوله: {لتأتينَّكم} فبنى هذا عليه، وهو من أحسنِ ترتيب. والثاني: أنه مستأنَفٌ أخبر عنهم بذلك، و {الذي أُنْزِلَ} هو المفعول الأولُ و {هو} فصلٌ و {الحقَّ} مفعولٌ ثانٍ؛ لأنَّ الرؤيةَ عِْلمية.
وقرأ ابن أبي عبلة {الحقُ} بالرفع على أنه خبرُ {هو}. والجملةُ في موضعِ المفعول الثاني وهو لغةُ تميمٍ، يجعلون ما هو فصلٌ مبتدًا، و {مِنْ رَبِّك} حالٌ على القراءتين.
قوله: {ويَهْدِي} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه مستأنفٌ. وفي فاعله احتمالان، أظهرهما: أنه ضميرُ الذي أُنْزِل. والثاني: ضميرُ اسمِ الله ويَقْلَقُ هذا لقولِه إلى صراط العزيز؛ إذ لو كان كذلك لقيل: إلى صراطه. ويُجاب: بأنه مِنْ الالتفاتِ، ومِنْ إبرازِ المضمر ظاهرًا تنبيهًا على وَصْفِه بها بين الصفتين.
الثاني من الأوجه المتقدمة: أنه معطوفٌ على موضع {الحقَّ} وأَنْ معه مضمرةٌ تقديره: هو الحقَّ والهداية.
الثالث: أنه عطفٌ على {الحق} عطفُ فعلٍ على اسم لأنه في تأويلِه كقوله تعالى: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] أي: وقابضاتٍ، كما عُطِفَ الاسمُ على الفعلِ لأن الفعلَ بمعناه.
كقول الشاعر:
فأَلْفَيْتُه يومًا يُبير عدوَّه ** وبحرَ عطاء يستخِفُّ المعابرا

كأنه قيل: ولِيَروْه الحقَّ وهاديًا.
الرابع: أنَّ {ويَهْدي} حالٌ من {الذي أُنْزِل} ولابد من إضمارِ مبتدأ أي: وهو يَهْدي نحو:
نَجَوْتُ وأَرْهَنُهُمْ مالِكا

وهو قليلٌ جدًا.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)}.
قوله: {إِذَا مُزِّقْتُمْ} {إذا} منصوبٌ بمقدرٍ أي: تُبْعَثون وتُجْزَوْن وقتَ تمزيقكم لدلالةِ {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} عليه.
ولا يجوز أن يكونَ العاملُ {يُنَبِّئكم} لأن التنبئةَ لم تقعْ ذلك الوقتَ. ولا {خَلْقٍ جديدٍ} لأنَّ ما بعد إنَّ لا يعمل فيما قبلها. ومَنْ تَوَسَّعَ في الظرف أجازه. هذا إذا جَعَلْنا {إذا} ظرفًا مَحْضًا. فإنْ جَعَلْناه شرطًا كان جوابُها مقدرًا أي: تُبْعَثون، وهو العاملُ في {إذا} عند جمهور النحاة.
وجَوَّز الزجَّاج والنحاس أن يكون معمولًا ل {مُزِّقْتُمْ}. وجعله ابنُ عطية خطًا وإفسادًا للمعنى. قال الشيخ: وليس بخطأ ولا إفسادٍ. وقد اخْتُلف في العامل في {إذا} الشرطية، وبَيَّنَّا في شرح التسهيل أنَّ الصحيحَ أنَّ العامَل فيها فعلُ الشرط كأخواتِها من أسماء الشرط. قلت: لكنَّ الجمهورَ على خلافِه. ثم قال الشيخ: والجملةُ الشرطيةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معمولة ل {يُنَبِّئُكم} لأنه في معنى: يقول لكم إذا مُزِّقْتُمْ: تُبْعَثُون. ثم أكَّد ذلك بقوله: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}. ويُحتمل أن يكون {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ} مُعلِّقًا ل {يُنَبِّئكم} سادًّا مَسَدَّ المفعولين، ولولا اللام لفُتِحَتْ إنَّ وعلى هذا فجملةُ الشرطِ اعتراضٌ. وقد منع قومٌ التعليقَ في {أعلم} وبابِها، والصحيحُ جوازُه. قال:
حَذارِ فقد نُبِّئْتُ إنكَ لَلَّذيْ ** سَتُجْزَى بما تَسْعَى فتسعدَ أو تَشْقَى

وقرأ زيد بن علي بإبدالِ الهمزةِ ياء. وعنه {يُنْبِئُكم} من أَنْبأ كأكرم.
ومُمَزَّقٌ فيه وجهان، أحدهما: أنه اسمُ مصدرٍ، وهو قياسُ كلِّ ما زاد على الثلاثة أي: يجيءُ مصدرُه وزمانُه ومكانُه على زِنَةِ اسم مفعولِه أي: كلَّ تمزيق. والثاني: أنه ظرفُ مكانٍ. قاله الزمخشري، أي: كلَّ مكانِ تمزيقٍ من القبورِ وبطون الوَحْشِ والطير. ومِنْ مجيءِ مُفَعَّل مجيءَ التفعيلِ قوله:
ألَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القوافِيْ ** فلا عِيًَّا بهنَّ ولا اجْتِلابا

أي: تَسْريحي. والتَّمْزِيق: التخريقُ والتقطيع. يُقال: ثوب مُمَزَّق ومَمْزوق. ويُقال: مَزَقه فهو مازِقٌ ومَزِقٌ أيضًا. قال:
أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضِيْ

وقال الممزق العبدي- وبه سُمِّي المُمَزَّق:
فإنْ كنتُ مأكولًا فكن خيرَ آكلٍ ** وإلاَّ فأدْرِكْني ولَمَّا أُمَزَّقِ

أي: ولما أُبْلَ وأُفْنَ.
و {جديد} عند البصريين بمعنى فاعِل يقال: جَدَّ الشيءُ فهو جادُّ وجديد، وعند الكوفيين بمعنى مفعول مِنْ جَدَدْتُه أي: قَطَعْتُه.
{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)}.
قوله: {أفترى} هذه همزةُ استفهامٍ. وحُذِفَتْ لأجلها همزةُ الوصل، فلذلك تَثْبُتُ هذه الهمزةُ وصلًا وابتداء. وبهذه الآيةِ استدلَّ الجاحظُ على أنَّ الكلامَ ثلاثةُ أقسامٍ: صدقٍ، كذبٍ، لا صدقٍ ولا كذبٍ. ووَجْهُ الدلالةِ منه على القسمِ الثالث أنَّ قولَه: {أَم بِهِ جِنَّةٌ} لا جائزٌ أن يكون كذبًا لأنه قسيمُ الكذبِ، وقسيمُ الشَيءِ غيرُه، ولا جائزٌ أن يكون صِدْقًا لأنهم لم يعتقدوه، فثبت قسمٌ ثالث. وقد أجيب عنه بأن المعنى: أم لم يَفْتَرِ. ولكن عَبَّر عن هذا بقولهم {أَم بِهِ جِنَّةٌ} لأن المجنونَ لا افتراء له.
والظاهرُ في {أم} هذه متصلةٌ؛ لأنها تتقدَّرُ بأي الشيئين. ويجابُ بأحدِهما، كأنه قيل: أيُّ الشيئين واقعٌ: افتراؤه الكذبَ أم كونُه مجنونًا؟ ولا يَضُرُّكونُها بعدها جملةٌ؛ لأنَّ الجملةَ بتأويلِ المفردِ كقوله:
لا أُبالي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ ** أم جفاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ

ومثلُه قولُ الآخر:
لَعَمْرُك ما أدْري وإنْ كنتُ داريًا ** شُعَيْثُ ابن سَهْمٍ أم شُعَيْثُ ابنُ منقرِ

ابن منقر خبرٌ، لا نعت. كذا أنشده بعضُهم مستشهدًا على أنها جملةٌ، وفيه حَذْفُ التنوين مِمَّا قبل ابن وليس بصفةٍ. وقد عَرَفْتَ ما أَشَرْتُ إليه هنا من سورة التوبة.
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)}.